قصة قصيرة بعنوان ( المنقـذون .. والخوف )
ارجو ان تروق لكم ..
( 1 )
في غرفتك أنتَ وجهاز التلفاز، آثاث وكُتُب، أنتَ والتلفاز من بين موجودات الغرفة ويمكن لكما الكلام ورُبَّما الغناء.. في هذه الليلة قررت أن تترك شِّلة السمر والكلام الفارغ، ولماذا؟
منذ نومة (القيلولة) الهانئة والبطن المُتخمة.. والتلفاز أنيسك، أُغنيات.. وأخبار.. وكلام في السياسة.. هذا كُلَّه حسن.
ولكن؟ فُجأة يقطع المُخرج الأُغنية ويظهر في أسفل الشاشة (التايتل باللون الأحمر) خبر عاجل.. إنَّ هُناك مريضاً بالمستشفى يحتاج دماً بصفة عاجلة.. وأين.. مصرف الدم؟ بالمُناسبة ما هي فصيلة دمِكِ؟؟
( 2 )
إحتدم الشجار في الشارع، ضُرب رجل حتى فقد وعيه.. ليس هذا هو الموضوع قبل أن يُضرب ويُطعن.. فأنتَ أمام طريق واحد هو أن تفقد وعيك.. لا يعلم أحد حتى هذه اللحظة كيف إحتدم الشِجار.. وللشجار في مدينتنا له عناصره.. هُناك شارع مسَّور بالكتل الكونكريتية، أمَّا الطقس فهو حار وتضيق به النفوس كما يُضيق الشارع، بالسيارات.. الشارع في مدينتنا هو أهم المسارح وأكثرها رحابة، ولإنَّه مسرح فعليه مُمَّثلون وحوله جمهور مُتفرِّج.
ماذا كان السبب..؟ هذا رجل فاقد الوعي وأحس بطعنة سكين ونزف دمه.. وليس هُناك من يعلم السبب.. طعنه رجل نتيجة مُشاجرة.. وعثروا على السكِّين.. (المُبرز الجُرمي) ولم يجدوا لحاملها أثراً.. كُل عابر سبيل شاهد المُشاجرة جاء مُسرعاً.. وأمتلأ مسرح الحادث.. فاض الشارع بالناس وتجمَّدت السيارات في مواقعها.. أبواق السيارات تُصم الآذان، والشرطة لم تحضر.. أين هم رجال الشرطة؟
( 3 )
من قال إنَّ المُستشفى لا تُعنى بغير الأغنياء؟ هذا كذب.. والسبب بسيط.. ليس هُناك غني واحد يأتي لمُستشفى الحكومة.. ثُمَّ إنَّ الأغنياء مُحصَّنون فلا يأتيهم المرض ولا تصل السكاكين إلى بطونهم ولا صدورهم.
يتملمـــل الرجــل الجريح وينطق بكلمــات مسموعـــة.. والله نحن من الفُقــــراء.. لا بل الأكثر فُقـــراً.. حتى دمنـــا نجــــود به.. ونطعــــن في الطريـــق وننــــــزف...
( 4 )
رجل نزف حتى فقد وعيه، طعنة سكِّين أم طعنة آلة جارحة أُخرى، رجل نزف دمه حتى فقد وعيه، هذا رجل فقد وعيه مرتين، الأولى بإختياره، والثانية بغير إختياره ولا هواه. فقد طعنه شخص لا يعرفه جمع بينهما الشارع.. وهذا الشارع يُغري بالشجار.
لم يظهر من رجال الشرطة أحد.. الحمد لله المُستشفى قريب.. سيارة تاكسي صغيرة حملته إلى المستشفى، والرجل الجريح جسمه ضخم وكبير.. حشروه في السيارة حشراً.
مراجعو المستشفى من المرضى وغيرهم جاؤوا يطلبون العلاج ليلاً.. لماذا يُصيب المرض الناس بالليل وليس بالنهار؟ أيتضاعف الخوف من الموت في الظلام؟؟.
( 5 )
يندفع الطبيب مُسرعاً يُريد أن يُبلِّغ صالة عمليات الطوارئ.. والرجل الجريح مُلقى على المنضدة وجرحه ينزف.. للدم رائحة ولون.. في صالات المُستشفى الكبير خليط عجيب من البشر، باعة سجائر ومناديل ورقية.. و.. و.., وآخرون لا يحملون شيئاً ليسوا من الباعة ولا هم بمُشترين.
(أحضرته بسيارتي التاكسي إلى المُستشفى ولولا لُطف الله لمات في الطريق) قال السائق وردَّد آخر "الشهامة ولا شك".. ولكن لمَ تنتظر؟ هل تُريد أُجرة التاكسي؟ ولم يرد عليه الآخر بل نظر إليه بإزدراء.. وصمت الجمع المُتنافر وتهيَّأت كُل الظروف لِشجار آخر...
(6 )
من الذي يجود بدمه؟ المثل الشعبي يقول:- (إنَّ أهل المدينة لا يجودون بشئ سوى الكلام والوعود.. يقولون "الدم فداء للوطن" والآن يشرف مواطن على الموت.. قُم الآن.. إنهض وأقدم على عمل مُفيد.. تبرَّع بشئ من هذا الدم الفاسد.. ألستم جميعاً في هذه المدينة من أهل الشهامة والنُبُل والكرم؟ أهذا في قصائدكم الشعرية والخُطب فقط؟).
إسمع.. كُل تضحية ولها رجال.. يبدأ بحك رأسه.. ولماذا نهتمُّ بمريض لا نعرفه بكُل هذا الإهتمام؟.
هل بقي فيك دم تجود به؟ يُردِّد المواطنون الهتاف في الشوارع "بالروح بالدم.." كلام والسلام.. دع الفلسفة لإهلها.
( 7 )
في صالة المستشفى ليس هُناك من يسمع أو من يُجيب.
- المسكين ضاع كُلُّ دمِهِ، من الذي طعنه؟ .. إسألوا الشرطة.
- ههههههه الشرطة لا تتحدّث حتى نسألها.
- إبتعد عن المشاكل.. تعرف إني حملت هذا المسكين لهذا المكان... أنظر إلى ملابسي كُلِّها دماء.
- إسمع المسألة فيها سين وجيم.. هيا نمشي.
- مسألة موت.. ملابسي عليها دم.. وأنا لا اعرفه.. والله لا أعرفه.
- المروءة حملته في التاكسي لوجه الله.. والله العظيم.
- مسكين السائق مذعور ولكن عنده فرصة حسنة لو هرب قبل وصول رجال الشرطة.
- الشرطة دائماً تأتي لإعتقال الأبرياء.
- صه.. هؤلاء أصبحوا أصدقاء الشعب.
- لو كان الأمر كما ذكرت فليطمئن السائق.
- الشرطة لن تَّصل.
( 8 )
(ولماذا النداء بالتلفاز؟) لمَ لا يتبَّرع هؤلاء المُتفَّرجون بما يُمكن أن ينقذ حياة هذا المسكين.
العصافير تُعشْعِشُ في داخل رأسك.. والرأس يتعاظم ويتثاقل فوق كتفيك.
أين هُم الأصدقاء أنتَ تعرف أين هُم؟ إذهب إليهم.. سبقوك إلى فقدان الوعي.. أم تمضي للمُستشفى فتجود بدمك.. دمك المسموم الفاسد "بالروح بالدم... بالروح بالدم" عاش.. يسقط.. يموت.
منذ أن ولدت في هذه المدينة.. وأنا اسمع الهتافات.. وأمامي الان هذا الجُرح.. أينقص أهل المدينة عدداً أم تخفت ضجَّة الشعارات إن هو قد مات؟.
( انتهت )
** fadhil **